هل لإسرائيل مستقبل
For English Translation, click here
أصدرت الدكتورة كونستانسي هيليارد Constance Hilliard كتاباً بعنوان «هل لإسرائيل مستقبل?» «Does Israel have a future» ونشرت الكتاب دار Potomac Books, Iac، في واشنطن دي.سي في الولايات المتحدة في العام 2009.
الدكتورة كونستانسي هيليارد استاذة تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة شمال تكساس «University of North Texas» في مدينة دينتون في ولاية تكساس في الولايات المتحدة، وقد حصلت على الدكتوراة في تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا من جامعة هارفارد في بوسطن، وسبق لها العمل كمستشار للسياحة الخارجية لرئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ في واشنطن. وقد سبق للدكتورة هيليارد أن زارت منطقة الشرق الأوسط، ومنها الكويت، مرات عدة، وقد تسنى لي التعرّف عليها وأتيح لي زيارتها في تكساس قبل سنوات قليلة. ولاشك أن معرفة المؤلفة بأوضاع المنطقة ومتابعاتها لمعضلات السلام في المنطقة وتعرّفها على التعنّت الإسرائيلي بشأن الحلول المطروحة والمعتمدة على قرارات الأمم المتحدة، وكذلك اطلاعها الواسع على نفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن مكّنها من إنجاز هذه الدراسة القيمة التي نحن بصدد عرضها.
إن من أهم ما ورد في الكتاب، وفي مقدمته ما أشارت إليه بشأن اللقاء الذي جرى في ربيع عام 2009 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث لم يذكر نيتانياهو «الدولة الفلسطينية» ولو لمرة واحدة. وما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما تشير الكاتبة، دولة لا تملك السيادة، بل تخضع للسيادة الإسرائيلية التامة، والتي تملك الحق الكامل للتدخل العسكري، إذا لزم الأمر، لتحقيق الأهداف الإسرائيلية، وتؤكد الدكتورة هيليارد أن هذا الموقف هو موقف إسرائيل منذ نهاية عام 1970 عندما أكّد مناحيم بيغن على مصطلح «الحكم الذاتي» «Autonomous rule» للفلسطينيين، لاشك أن ذلك يحبط الفلسطينيين الذين قبلوا مشروع الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية وغزة، التي تم احتلالها خلال حرب الأيام الستة في يونيو عام 1967.. لكن، الآن، وبعد إقامة العديد من المستوطنات، والكبيرة منها، فإن مساحة هذه الدولة ستكون أقل مما تم احتلاله، وقد تكون شبيهة بالكانتونات المتقطعة بتلك المستوطنات التي تقضم أفضل الأراضي الفلسطينية، إن تعطل محاولات إنجاز التسوية، خاصة تلك التي تبناها الرئيس الأمريكي الأسبق في نهاية عهده في أواخر عام 2000، قد عقدت إمكانات إقامة الدولة الفلسطينية التي يمكن أن تتمتع بمساحة مناسبة وتستظل بسيادة مقبولة إلى درجة ما، ولاريب أن وصول نيتانياهو إلى الحكم وبمؤازرة من أحزاب يمينية ودينية متطرفة لم يوفر فرصاً حقيقية للسلام حتى لو بذل الرئيس أوباما الجهود الضرورية لتحريك المفاوضات الهادفة للوصول إلى حلول نهائية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
تعود الكاتبة إلى عام 1939 عندما غادر 937 من الألمان، منهم 936 يهودياً، ألمانيا على ظهر أحد المراكب باتجاه كوبا هرباً من الاضطهاد العنصري النازي، هؤلاء اللاجئون تم رفض قبولهم في كوبا من حكوما الرئيس فريدريكو لاريدو «Frederico Laredo»، ولم يسمح لهم بمغادرة السفينة، وعندما اتجهت السفينة، بركابها، إلى شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية قامت قوات خفر السواحل الأمريكية بتوجيه السفينة بعيداً عن الشواطئ الأمريكية وإجبارها على العودة إلى أوربا، تم ذلك بالرغم من تعاطف الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت «Franklin D. Roosevelt» مع الركاب اليهود، وقد بيّنت الكاتبة، بشكل مدقق، تقاعس الحكومات الغربية عن حماية اليهود الذين عانوا من تبعات الحكم النازي في ألمانيا وبينت أن العنصرية ضد اليهود كانت متفشية في المجتمعات في البلدان الأوربية وفي شمال أمريكا. ومما أشارت إليه أن استطلاعاً للرأي جرى في عام 1938 في الولايات المتحدة بيّن أن 68 في المائة من الأمريكيين يناهضون مسألة قبول اللاجئين من ألمانيا والنمسا. أكثر من ذلك أن استطلاعاً جرى في يناير من عام 1939 أكّد أن 83 في المائة من الأمريكيين يرفضون مشروع قانون، آنذاك، يسمح لليهود من البلدان الأوربية بالقدوم إلى الولايات المتحدة، مثل هذه الاستطلاعات تأكدت بذات النتائج في بلدان أخرى، وهي تؤكد على مدى انتشار العداوة تجاه اليهود، وربما العنصرية تجاه الأجانب بشكل عام، في البلدان الرأسمالية المتقدمة، آنذاك.
وبعد استعراض الأحداث التي قادت إلى قيام دولة إسرائيل في العام 1948 وبموجب قرار من الأمم المتحدة واعترافات الدول الكبرى تقوم الكاتبة بتحليل الأوضاع السياسية والعسكرية التي قادت إلى الحروب العربية الإسرائيلية من عام 1948 إلى عام 1973 ثم حرب لبنان عام 1982، وتؤكد أن هذه الحروب وما تبعها من مفاوضات لم تمكن من توصل الأطراف المعنية إلى حلول نهائية لمأساة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته لم تمكّن إسرائيل من كسب القبول في المحيط الذي وجدت فيه. تؤكد الدكتورة هيليارد أن أهم ما تواجهه إسرائيل هو حقل الألغام الديمغرافي «The Demographic Minefield»، وذلك ليس بالأمر الجديد حيث إن الإسرائيليين قد استشرفوا هذه المحنة منذ زمن بعيد مما دفع قيادات مهمة في النخبة السياسية للتفكير في حل الدولتين. وبناء على الإحصاءات الرسمية، فإن عدد سكان إسرائيل من اليهود يقارب 5.5 مليون نسمة في عام 2008، في حين يبلغ عدد العرب المقيمين في داخل إسرائيل، أراضي 1948، ما يزيد قليلاً على المليون نسمة، يضاف إلى ذلك هناك 3.5 مليون فلسطيني داخل الضفة الغربية وغزة، ويبلغ معدل الخصوبة للمرأة الفلسطينية في سن الإنجاب 6 أطفال، في حين يبلغ ذلك 2.6 طفل للمرأة اليهودية في إسرائيل، وتقول الكاتبة إذا أضيف الفلسطينيون المقيمون في الشتات، في البلدان العربية وغيرها، فإن عدد الفلسطينيين يصل إلى تسعة ملايين نسمة.
كيف يمكن للحكومات الإسرائيلية التعامل مع هذا الواقع الديمغرافي المعقد، وتحتفظ بالهوية اليهودية، وفي الوقت ذاته تؤكد التقاليد والقيم الديمقراطية وتبتعد عن الممارسات العنصرية تجاه العرب؟ لقد طرح الكثير من المفكرين الإسرائيليين، وعدد من الفلسطينيين، مسألة الدولة الواحدة والتي رأوا فيها أنها تمكّن من معالجة الصراع وتوفير أرضية للسلام، على غرار ما حدث في جنوب إفريقيا عندما تم إنهاء حكم الفصل العنصري في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فهل يمكن قبول هذا الحل من قبل الإسرائيليين؟ يشير عدد من القادة الإسرائيليين إلى صعوبة قبول هذا الحل خشية تفوق العرب عدداً في هذه الدولة خلال سنوات قد لا تتجاوز الأربعين بما يمكن الفلسطينيين في ظل نظام ديمقراطي من السيطرة على الحكم وإنهاء الهوية اليهودية للدولة. إذن ما هو الحل؟ يؤكد قادة حزب العمل وأعداد مهمة من السياسيين في أحزاب اليمين العلماني قبولهم بمبادئ اتفاقيات أوسلو التي اعتمدها اسحاق رابين والتي تهدف - في نهاية المطاف - إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تضم الضفة الغربية وغزة. لكن على ضوء الممارسات الإسرائيلية واستمرار حركة الاستيطان في الضفة الغربية بعد الانسحاب من غزة في عام 2005، هل يمكن واقعياً قيام مثل هذه الدولة وتمثيلها للفلسطينيين بصورة مقبولة، أي بتمكنها من السيادة على الأرض والأمن والمياه وكل ما يرتبط بالاستقلال الوطني غير المنقوص مثلما أكّدته المواثيق الدولية والقرارات ذات الصلة بالصراع العربي - الإسرائيلي؟
حل الدولتين
تمثل مسألة حل الدولتين أهم التحديات أمام المجتمع الإسرائيلي، والمجتمع السياسي بصورة مباشرة، لقد تمكن الإسرائيليون من إقامة دولة عصرية تعتمد على اقتصاد ناهض ومتطور، وتتوافر لديها أفضل الجامعات والمعاهد العليا ومراكز الأبحاث، وهي دولة تضم شعباً متحضراً لدرجة عالية، لكن مقابل ذلك، كما تشير الدكتورة هيليارد، فإن إسرائيل اضطرت منذ قيامها عام 1948، للدخول في سبع حروب، فضلا عن العديد من المناوشات المتتالية على كل الحدود. وترى الكاتبة أنه بالرغم من انتصار إسرائيل في تلك الحروب وهزيمة العرب، أو انتكاستهم، فإنهم ازدادوا قوة على مر السنين وبات الإسرائيليون أقل ثقة في قدرتهم على مواجهة المخاطر المحتملة في المستقبل. ومن أهم ما أشارت إليه هو ما ورد في مقال للكاتب الإسرائيلي جيغري غولبرغ والذي ذكر ما يلي: «أن جيشنا كبير ولدينا قنبلة ذرية، لكن شعورنا الداخلي يؤكد هشاشة مطلقة، ويشير إلى أننا على حافة الهاوية». مثل هذه المشاعر لدى عدد من المفكرين الإسرائيليين تؤكد محنة المجتمع الإسرائيلي وعدم القدرة على التواصل مع المحيط العربي واستعصاء الوصول لحلول تضمن استمرار الكيان دون منغصات، وفي ظل أوضاع أمنية مستقرة. ما يزيد الأمور صعوبة هو بروز طائفة في إسرائيل أسمتهم الكاتبة بـ«الصهاينة الجدد» «The Neo-Zionists» والذين يتقيدون بقيم يمينية دينية ويعادون التيار العلماني التقليدي في أوساط الأحزاب الرئيسية. هؤلاء يعتبرون الأراضي الفلسطينية أراضي يهودية (يهودا والسامرة)، وهم يراهنون على ضم هذه الأراضي بشكل نهائي لإسرائيل دون تقديم أي تنازلات أو القيام بانسحابات من الأراضي المحتلة.
بالرغم من التعنّت تجاه الحلول المطروحة لإنهاء الصراع، فإن الإسرائيليين، أو على الأقل القادة العقلانيون منهم، يشعرون بالضياع وعدم التأكد من المصير في السنوات والعقود القادمة. لا يمكن أن تكون القوة الغاشمة علاجاً للمشكلات الوطنية. في الوقت ذاته، وبعد أن كانت إسرائيل تحظى بالدعم المادي والمعنوي في العديد من البلدان الأساسية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، فإن الرأي العام في تلك البلدان لم يعد راضياً عن الممارسات التي يوقعها الإسرائيليون على الفلسطينيين والتعسف في الاعتقالات وجرائم القتل بدم بارد أو الرد على الأعمال التي تقوم بها المنظمات الفلسطينية، والتي نادراً ما توقع خسائر كبيرة في الأرواح بين الإسرائيليين، بمستويات غير مقبولة مثلما حصل في لبنان في عام 2006 وفي غزة في عام 2009، وقد بدأت الأوساط الأكاديمية في مختلف هذه البلدان بطرح توجهات معادية للسياسات الإسرائيلية وهي توجهات لابد أن تؤدي إلى متغيرات في السياسات ذات الصلة لدى حكومات هذه البلدان.
تخلص الدكتورة كونستانسي هيليارد إلى أهمية التوصل إلى حل الدولة الواحدة من أجل إنهاء الصراع وخلق تعايش حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي ظل ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التمييز العنصري والديني. هل يمكن أن يحدث مثل هذا التطور، الذي مازال حلماً للعديد من الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل التعنت في الأوساط الحاكمة في إسرائيل وتفشي الإسلام السياسي بين مجموعات كبيرة من الفلسطينيين وعجز المجتمع الدولي عن إنجاز أي حلول واقعية لهذا الصراع؟.
أصدرت الدكتورة كونستانسي هيليارد Constance Hilliard كتاباً بعنوان «هل لإسرائيل مستقبل?» «Does Israel have a future» ونشرت الكتاب دار Potomac Books, Iac، في واشنطن دي.سي في الولايات المتحدة في العام 2009.
الدكتورة كونستانسي هيليارد استاذة تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة شمال تكساس «University of North Texas» في مدينة دينتون في ولاية تكساس في الولايات المتحدة، وقد حصلت على الدكتوراة في تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا من جامعة هارفارد في بوسطن، وسبق لها العمل كمستشار للسياحة الخارجية لرئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ في واشنطن. وقد سبق للدكتورة هيليارد أن زارت منطقة الشرق الأوسط، ومنها الكويت، مرات عدة، وقد تسنى لي التعرّف عليها وأتيح لي زيارتها في تكساس قبل سنوات قليلة. ولاشك أن معرفة المؤلفة بأوضاع المنطقة ومتابعاتها لمعضلات السلام في المنطقة وتعرّفها على التعنّت الإسرائيلي بشأن الحلول المطروحة والمعتمدة على قرارات الأمم المتحدة، وكذلك اطلاعها الواسع على نفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن مكّنها من إنجاز هذه الدراسة القيمة التي نحن بصدد عرضها.
إن من أهم ما ورد في الكتاب، وفي مقدمته ما أشارت إليه بشأن اللقاء الذي جرى في ربيع عام 2009 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث لم يذكر نيتانياهو «الدولة الفلسطينية» ولو لمرة واحدة. وما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما تشير الكاتبة، دولة لا تملك السيادة، بل تخضع للسيادة الإسرائيلية التامة، والتي تملك الحق الكامل للتدخل العسكري، إذا لزم الأمر، لتحقيق الأهداف الإسرائيلية، وتؤكد الدكتورة هيليارد أن هذا الموقف هو موقف إسرائيل منذ نهاية عام 1970 عندما أكّد مناحيم بيغن على مصطلح «الحكم الذاتي» «Autonomous rule» للفلسطينيين، لاشك أن ذلك يحبط الفلسطينيين الذين قبلوا مشروع الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية وغزة، التي تم احتلالها خلال حرب الأيام الستة في يونيو عام 1967.. لكن، الآن، وبعد إقامة العديد من المستوطنات، والكبيرة منها، فإن مساحة هذه الدولة ستكون أقل مما تم احتلاله، وقد تكون شبيهة بالكانتونات المتقطعة بتلك المستوطنات التي تقضم أفضل الأراضي الفلسطينية، إن تعطل محاولات إنجاز التسوية، خاصة تلك التي تبناها الرئيس الأمريكي الأسبق في نهاية عهده في أواخر عام 2000، قد عقدت إمكانات إقامة الدولة الفلسطينية التي يمكن أن تتمتع بمساحة مناسبة وتستظل بسيادة مقبولة إلى درجة ما، ولاريب أن وصول نيتانياهو إلى الحكم وبمؤازرة من أحزاب يمينية ودينية متطرفة لم يوفر فرصاً حقيقية للسلام حتى لو بذل الرئيس أوباما الجهود الضرورية لتحريك المفاوضات الهادفة للوصول إلى حلول نهائية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
تعود الكاتبة إلى عام 1939 عندما غادر 937 من الألمان، منهم 936 يهودياً، ألمانيا على ظهر أحد المراكب باتجاه كوبا هرباً من الاضطهاد العنصري النازي، هؤلاء اللاجئون تم رفض قبولهم في كوبا من حكوما الرئيس فريدريكو لاريدو «Frederico Laredo»، ولم يسمح لهم بمغادرة السفينة، وعندما اتجهت السفينة، بركابها، إلى شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية قامت قوات خفر السواحل الأمريكية بتوجيه السفينة بعيداً عن الشواطئ الأمريكية وإجبارها على العودة إلى أوربا، تم ذلك بالرغم من تعاطف الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت «Franklin D. Roosevelt» مع الركاب اليهود، وقد بيّنت الكاتبة، بشكل مدقق، تقاعس الحكومات الغربية عن حماية اليهود الذين عانوا من تبعات الحكم النازي في ألمانيا وبينت أن العنصرية ضد اليهود كانت متفشية في المجتمعات في البلدان الأوربية وفي شمال أمريكا. ومما أشارت إليه أن استطلاعاً للرأي جرى في عام 1938 في الولايات المتحدة بيّن أن 68 في المائة من الأمريكيين يناهضون مسألة قبول اللاجئين من ألمانيا والنمسا. أكثر من ذلك أن استطلاعاً جرى في يناير من عام 1939 أكّد أن 83 في المائة من الأمريكيين يرفضون مشروع قانون، آنذاك، يسمح لليهود من البلدان الأوربية بالقدوم إلى الولايات المتحدة، مثل هذه الاستطلاعات تأكدت بذات النتائج في بلدان أخرى، وهي تؤكد على مدى انتشار العداوة تجاه اليهود، وربما العنصرية تجاه الأجانب بشكل عام، في البلدان الرأسمالية المتقدمة، آنذاك.
وبعد استعراض الأحداث التي قادت إلى قيام دولة إسرائيل في العام 1948 وبموجب قرار من الأمم المتحدة واعترافات الدول الكبرى تقوم الكاتبة بتحليل الأوضاع السياسية والعسكرية التي قادت إلى الحروب العربية الإسرائيلية من عام 1948 إلى عام 1973 ثم حرب لبنان عام 1982، وتؤكد أن هذه الحروب وما تبعها من مفاوضات لم تمكن من توصل الأطراف المعنية إلى حلول نهائية لمأساة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته لم تمكّن إسرائيل من كسب القبول في المحيط الذي وجدت فيه. تؤكد الدكتورة هيليارد أن أهم ما تواجهه إسرائيل هو حقل الألغام الديمغرافي «The Demographic Minefield»، وذلك ليس بالأمر الجديد حيث إن الإسرائيليين قد استشرفوا هذه المحنة منذ زمن بعيد مما دفع قيادات مهمة في النخبة السياسية للتفكير في حل الدولتين. وبناء على الإحصاءات الرسمية، فإن عدد سكان إسرائيل من اليهود يقارب 5.5 مليون نسمة في عام 2008، في حين يبلغ عدد العرب المقيمين في داخل إسرائيل، أراضي 1948، ما يزيد قليلاً على المليون نسمة، يضاف إلى ذلك هناك 3.5 مليون فلسطيني داخل الضفة الغربية وغزة، ويبلغ معدل الخصوبة للمرأة الفلسطينية في سن الإنجاب 6 أطفال، في حين يبلغ ذلك 2.6 طفل للمرأة اليهودية في إسرائيل، وتقول الكاتبة إذا أضيف الفلسطينيون المقيمون في الشتات، في البلدان العربية وغيرها، فإن عدد الفلسطينيين يصل إلى تسعة ملايين نسمة.
كيف يمكن للحكومات الإسرائيلية التعامل مع هذا الواقع الديمغرافي المعقد، وتحتفظ بالهوية اليهودية، وفي الوقت ذاته تؤكد التقاليد والقيم الديمقراطية وتبتعد عن الممارسات العنصرية تجاه العرب؟ لقد طرح الكثير من المفكرين الإسرائيليين، وعدد من الفلسطينيين، مسألة الدولة الواحدة والتي رأوا فيها أنها تمكّن من معالجة الصراع وتوفير أرضية للسلام، على غرار ما حدث في جنوب إفريقيا عندما تم إنهاء حكم الفصل العنصري في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فهل يمكن قبول هذا الحل من قبل الإسرائيليين؟ يشير عدد من القادة الإسرائيليين إلى صعوبة قبول هذا الحل خشية تفوق العرب عدداً في هذه الدولة خلال سنوات قد لا تتجاوز الأربعين بما يمكن الفلسطينيين في ظل نظام ديمقراطي من السيطرة على الحكم وإنهاء الهوية اليهودية للدولة. إذن ما هو الحل؟ يؤكد قادة حزب العمل وأعداد مهمة من السياسيين في أحزاب اليمين العلماني قبولهم بمبادئ اتفاقيات أوسلو التي اعتمدها اسحاق رابين والتي تهدف - في نهاية المطاف - إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تضم الضفة الغربية وغزة. لكن على ضوء الممارسات الإسرائيلية واستمرار حركة الاستيطان في الضفة الغربية بعد الانسحاب من غزة في عام 2005، هل يمكن واقعياً قيام مثل هذه الدولة وتمثيلها للفلسطينيين بصورة مقبولة، أي بتمكنها من السيادة على الأرض والأمن والمياه وكل ما يرتبط بالاستقلال الوطني غير المنقوص مثلما أكّدته المواثيق الدولية والقرارات ذات الصلة بالصراع العربي - الإسرائيلي؟
حل الدولتين
تمثل مسألة حل الدولتين أهم التحديات أمام المجتمع الإسرائيلي، والمجتمع السياسي بصورة مباشرة، لقد تمكن الإسرائيليون من إقامة دولة عصرية تعتمد على اقتصاد ناهض ومتطور، وتتوافر لديها أفضل الجامعات والمعاهد العليا ومراكز الأبحاث، وهي دولة تضم شعباً متحضراً لدرجة عالية، لكن مقابل ذلك، كما تشير الدكتورة هيليارد، فإن إسرائيل اضطرت منذ قيامها عام 1948، للدخول في سبع حروب، فضلا عن العديد من المناوشات المتتالية على كل الحدود. وترى الكاتبة أنه بالرغم من انتصار إسرائيل في تلك الحروب وهزيمة العرب، أو انتكاستهم، فإنهم ازدادوا قوة على مر السنين وبات الإسرائيليون أقل ثقة في قدرتهم على مواجهة المخاطر المحتملة في المستقبل. ومن أهم ما أشارت إليه هو ما ورد في مقال للكاتب الإسرائيلي جيغري غولبرغ والذي ذكر ما يلي: «أن جيشنا كبير ولدينا قنبلة ذرية، لكن شعورنا الداخلي يؤكد هشاشة مطلقة، ويشير إلى أننا على حافة الهاوية». مثل هذه المشاعر لدى عدد من المفكرين الإسرائيليين تؤكد محنة المجتمع الإسرائيلي وعدم القدرة على التواصل مع المحيط العربي واستعصاء الوصول لحلول تضمن استمرار الكيان دون منغصات، وفي ظل أوضاع أمنية مستقرة. ما يزيد الأمور صعوبة هو بروز طائفة في إسرائيل أسمتهم الكاتبة بـ«الصهاينة الجدد» «The Neo-Zionists» والذين يتقيدون بقيم يمينية دينية ويعادون التيار العلماني التقليدي في أوساط الأحزاب الرئيسية. هؤلاء يعتبرون الأراضي الفلسطينية أراضي يهودية (يهودا والسامرة)، وهم يراهنون على ضم هذه الأراضي بشكل نهائي لإسرائيل دون تقديم أي تنازلات أو القيام بانسحابات من الأراضي المحتلة.
بالرغم من التعنّت تجاه الحلول المطروحة لإنهاء الصراع، فإن الإسرائيليين، أو على الأقل القادة العقلانيون منهم، يشعرون بالضياع وعدم التأكد من المصير في السنوات والعقود القادمة. لا يمكن أن تكون القوة الغاشمة علاجاً للمشكلات الوطنية. في الوقت ذاته، وبعد أن كانت إسرائيل تحظى بالدعم المادي والمعنوي في العديد من البلدان الأساسية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، فإن الرأي العام في تلك البلدان لم يعد راضياً عن الممارسات التي يوقعها الإسرائيليون على الفلسطينيين والتعسف في الاعتقالات وجرائم القتل بدم بارد أو الرد على الأعمال التي تقوم بها المنظمات الفلسطينية، والتي نادراً ما توقع خسائر كبيرة في الأرواح بين الإسرائيليين، بمستويات غير مقبولة مثلما حصل في لبنان في عام 2006 وفي غزة في عام 2009، وقد بدأت الأوساط الأكاديمية في مختلف هذه البلدان بطرح توجهات معادية للسياسات الإسرائيلية وهي توجهات لابد أن تؤدي إلى متغيرات في السياسات ذات الصلة لدى حكومات هذه البلدان.
تخلص الدكتورة كونستانسي هيليارد إلى أهمية التوصل إلى حل الدولة الواحدة من أجل إنهاء الصراع وخلق تعايش حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي ظل ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التمييز العنصري والديني. هل يمكن أن يحدث مثل هذا التطور، الذي مازال حلماً للعديد من الإسرائيليين والفلسطينيين في ظل التعنت في الأوساط الحاكمة في إسرائيل وتفشي الإسلام السياسي بين مجموعات كبيرة من الفلسطينيين وعجز المجتمع الدولي عن إنجاز أي حلول واقعية لهذا الصراع؟.
Comments